فصل: غزوة تنيشرة.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.فتح بارين.

ثم سار السلطان سنة ثمان وأربعمائة عندما فصل الشتاء غازيا إلى الهند وتوغل فيها مسيرة شهرين وامتنع عظيم الهند في جبل صعب المرتقى ومنع القتال واستدعى الهنود وملك عليهم الفيلة وفتح الله بارين وكثرت الأسرى والغنائم ووجد به في بيت البدجي حجر منقوش قال التراجمة كتابته إنه مبني منذ أربعين ألف سنة ثم عاد إلى غزنة وبعث إلى القادر يطلب عهد خراسان وما بيده من الممالك.

.غزوة تنيشرة.

كان صاحب تنيشرة عاليا في الكفر والطغيان وانتهى الخبر إلى السلطان في ناحيته من الفيلة فيلة من الفيتلمان الموصوفة في الحروب فاعتزم السلطان على غزوه وسار إليه في مسالك صعبة وعرة بين أودية وقفارات حتى انتهى إلى نهر طام قليل المخاضة وقد استندوا من ورائه إلى سفح جبل فسرب إليهم جماعة من الكماة خاضوا النهر وشغلوهم بالقتال حتى تعدت بقية العسكر ثم قاتلوهم وانهزموا واستباحهم المسلمون وعادوا إلى غزنة ظافرين ظاهرين ثم غزا السلطان على عادته فضل الأدلاء طريقهم فوقع السلطان في مخاضات من المياه غرق فيها كثير من العسكر وخاض الماء بنفسه أياما حتى تخلص ورجع إلى خراسان.

.استيلاء السلطان على خوارزم.

كان مأمون بن محمد صاحب الجرجانية من خوارزم وكان مخلصا فى طاعة الرضى نوح أيام مقامه في آمد كما مر فأضاف إلى نسا إلى عمله فلم يقبلها المودة بينه وبين أبي علي ابن سيجور وكان من خبره مع ابن سيجور واستنقاذه إياه من أسر خوارزم شاه سنة ست وثمانين وثلاثمائة ما مر ذكره وصارت خوارزم كلها له ثم هلك وملك مكانه أبو الحسن علي ثم هلك وملك مكانه ابنه مأمون وخطب إلى السلطان محمود بعض كرائمه فزوجه أخته واتحد الحال بينهما إلى أن هلك وولي مكانه أبو العباس مأمون ونكح أخته كما نكحها أخوه من قبله ثم دعاه إلى الدخول في طاعته والخطبة له كما دعا الناس فمنعه أصحابه وأتباعه وتوجس الخيفة من السلطان في ذلك فرجعوا إلى الفتك به فقتلوه وبايعوا ابنه داود وازداد خوفهم من السلطان في ذلك فتعاهدوا على الامتناع ومقدمهم التكين البخاري وسار إليهم السلطان في العساكر حتى أناخ عليهم وبيتوا محمد بن إبراهيم الطائي وكان في مقدمة السلطان فقاتلهم إلى أن وصل السلطان فهزمهم وأثخن فيهم بالقتل والأسر وركب التكين السفن ناجيا فغدره الملاحون وجاؤوا به إلى السلطان فقتله في جماعة من القواد الذين قتلوا مأمونا على قبره وبعث بالباقين إلى غزنة فاخرجوا في البعوث إلى الهند وأنزلوا هنالك في حامية الثغور وأجريت لهم الأرزاق واستخلف على خوارزم الحاجب الترنتاش ورجع إلى بلاده.

.فتح قشمير وقنوج.

ولما فرغ السلطان من أمر خوارزم وانضافت إلى مملكته عدل إلى بست وأصلح أحوالها ورجع إلى غزنة ثم اعتزم على غزو الهند سنة تسع وأربعمائة وكان قد دوخ بلادها كلها ولم يبق عليه إلا قشمير ومن دونها الفيافي والمصاعب فاستنفر الناس من جميع الجهات من المرتزقة والمتطوعة وسار تسعين مرحلة وعبر نهر جيحون وحيلم وخيالا هو وامراؤه وبث عساكره في أودية لا يعبر عن شدة جريها وبعد أعماقها وانتهى إلى قشمير وكانت ملوك الهند في تلك الممالك تبعث إليه بالخدمة والطاعة وجاءه صاحب درب قشمير وهو جنكي بن شاهي وشهي فأقر بالطاعة وضمن دلالة الطريق وسار أمام العسكر إلى حصن مأمون لعشرين من رجب وهو خلال ذلك يفتتح القلاع إلى أن دخل في ولاية هردت أحد ملوك الهند فجاء طائعا مسلما ثم سار السلطان إلى قلعة كلنجد من أعيان ملوكهم فبرز للقائه.
وانهزم واعترضهم أنهار عميقة سقطوا فيها وهلكوا قتلا وغرقا يقال: هلك منهم خمسون ألفا وغنم السلطان منهم مائة فيل وخمسة إلى غير ذلك مما جل عن الوصف ثم عطف إلى سقط التقيذ وهو بيت مبني بالصخور الصم يشرع منها بابان إلى الماء المحيط موضوعة أبنيته فوق التلال وعن جنبتيه ألف قصر مشتملة على بيوت الأصنام وفي صدر البلد بيت أصنام منها خمسة من الذهب الأحمر مضروبة على خمسة أذرع في الهواء قد جعلت عينا كل واحدة منهما ياقوتتان تساوين خمسين ألف دينار وعين الآخر قطعة ياقوت أزرق تزن أربعمائة وخمسين مثقالا وفي وزن قدمي الصنم الواحد أربعة آلاف وأربعمائة مثقال وجملة ما في الأشخاص من الذهب ثمانية وتسعون ألف مثقال وزادت شخوص الفضة على شخوص الذهب في الوزن فهدمت تلك الأصنام كلها وخربت وسار السلطان طالبا قنوج وخرب سائر القلاع في طريقه ووصل إليها في شعبان سنة تسع وأربعمائة وقد فارقها نزوجبال حين سمع بقدومه وعبر نهر الغانج الذي تغرق الهنود فيه أنفسهم ويذرون فيه رماد المحرقين منهم وكان أهل الهند وواثقين بقنوج وهي سبع قلاع موضوعة على ذلك الماء فيها عشرة آلاف بيت للأصنام تزعم الهنود أن تاريخها منذ مائتي ألف سنة أو ثلاثمائة ألف سنة وأنها لم تزل متعبدا لهم فلما وصلها السلطان ألفاها خالية قد هرب أهلها ففتحها كلها في يوم واحد واستباحها أهل عسكره ثم أخذ في السير منها إلى قلعة لنج وتعرف بقلعة البراهمة فقاتلوا ساعة ثم تساقطوا من أعاليها على سنا الرماح وضياء الصفاح ثم سار إلى قلعة أسا وملكها جندبال فهرب وتركها وأمر السلطان بتخريبها ثم عطف على جندراي من أكابر الهنود في قلعة منيعة وكان جميال ملك الهند من قبل ذلك يطلبه للطاعة والألفة فيمتنع عليه ولحق جميال بنهوجد أحد المغرورين بحصانة المعقل فنجا بنفسه ورام جندراي المدافعة وثوقا بامتناع قلعته ثم تنصح له بهميال ومنعه من ذلك فهرب إليه أمواله وأنصاره إلى جبال وراء القلعة وافتتحها السلطان وحصل منها على غنائم وسار في أتباع جندراي وأثخن فيهم قتلا ونهبا وغنم منهم أموالا وفيولا وبلغت الغنائم ثلاثة آلاف ألف درهم ذهبا وفضة ويواقيت والسبي كثير وبيع بدرهمين إلى عشرة وكانت الفيول تسمى عندهم جنداي داد ثم قضى السلطان جهاده ورجع إلى غزنة فابتنى مسجدها الجامع وجلب إليه جذوع الرخام من الهند وفرشه بالمرمر وأعالي جدرانه بالأصباغ وصباب الذهب المفرغة من تلك الأصنام واحتضر بناء المسجد بنفسه ونقل إليه الرخام من نيسابور وجعل أمام البيت مقصورة تسع ثلاثة آلاف غلام وبنى بأزاء المسجد مدرسة احتوت فيها الكتب من علوم الأولين والآخرين وأجريت بها الأرزاق واختصت لنفسه يفضي منه إليه في أمن من العيون وأمر القواد والحجاب وسائر الخدام فبنوا بجانب المسجد من الدور ما لا يحصى وكانت غزنة تحتوي على مربط ألف فيل يحتاج كل واحد منها لسياسته ومائدته خطة واسعة.